رؤية الاتحاد لمسألة الإنماء ـ آمال مستقبلية

إن احتلالاً دام اثنتين وعشرين عاماً للمنطقة الحدودية، حرمها من كل شيء له علاقة بالتنمية، وعلى الصعد كافة، كما حرمها من خيرة شبابها العاملين، الذين هجروا الأرض والوطن، وذهبوا إلى كل أصقاع العالم، مفتشين عن أماكن أخرى، تؤمن لهم كل ما افتقدوه في الوطن.
المنطقة المحتلة كانت كالأرض العطشى، بعد طول جفاف، وانحباس مطري، وهي تنتظر بفارغ الصبر أول قطرة، لتحاول ارتشافها بحرارة وشغف.
وكانت جلسة مجلس النواب الاستثنائية في مدينة بنت جبيل، بعد التحرير، في محاولة لتعويض النقص الحاصل في مجال الإنماء، «وأقرّ المجلس في تلك الجلسة الشهيرة، مبلغ 500 مليون دولار، خصصت لإعادة تأهيل البنى التحتية والطرقات في المنطقة، بهدف إعادة ربطها بباقي أجزاء الوطن، إلا أن تلك القرارات بقيت حبراً على ورق، وذلك قبل أن يقضم من المبلغ 200 مليون دولار، ليرسو الأمر على 300 مليون دولار، لم تر المنطقة منها سنتاً واحداً».
وعلى هذا القياس سارت الأمور خلال السنوات العشر اللاحقة، فميزانيات البلديات التي كانت منحلّة منذ عقود، حجزت، وجرى تقسيطها، بحيث ضاعت المنفعة التي ارتجالها الأهالي من دولتهم، وبالتالي، تحوّل العمل إلى «الجود بالموجود»، وبرزت الحاجة إلى البحث عن الجمعيات الأهلية، والدول المانحة، لتغطية الغياب الرسمي، رغم ما أظهرته هذه الطريقة من انكشاف أمام تلك الجمعيات والدول، تحت حجج، من قبيل دراسات الجدوى، وإحصاءات سكنية واقتصادية وديموغرافية».
يرى رئيس بلدية عيثرون، المهندس سليم مراد، أنه «لم يكن هناك ما يعرف بالتنمية في الفترة التي تلت التحرير مباشرة، وأتت المجالس البلدية الأولى لنصف ولاية، لمحاولة ردم الهوة في النقص الحاصل، حيث توزعت الحالة السيئة على مختلف الميادين المعيشية والاقتصادية والبنى التحتية، وهي تمتد من الماء إلى الكهرباء والطرقات والصرف الصحي والاستشفاء، وقد استطاعت البلديات الأولى، بما تيسّر من أموال، وضع البلدات والقرى على سكة التنمية، ولو أنها سارت ببطء في بعض الأحيان».
وحول التأثيرات السلبية لحرب تموز ـ آب سنة 2006، على العمل البلدي، يقول المهندس مراد: «ان ما نتج عن العدوان، من تدمير شبه كامل، في جميع أنواع البنى في القرى والبلدات، لا سيما الجنوبية منها، وضع البلديات أمام تحدٍّ جديد للمرة الثانية، خلال أقل من ست سنوات، فعادت المجالس المحلية لتشّمر عن ساعديها، بمؤازرة داخلية وخارجية، وكانت الدولة بقرارها الواضح أبرز الغائبين».
بالمقابل، يشير رئيس بلدية بنت جبيل، المهندس عفيف بزي، إلىأنه بعد انتهاء عملية إعادة الاعمار، التي تابعتها البلدية يوماً بيوم، وحجراً بحجر، فإننا نبحث الآن عن إنجازات نوعية، فمهمة إعادة الاعمار، ومتابعة أوضاع المدينة على كافة الصعد، بعد الحرب مباشرة، كانت من أولويات المجلس البلدي الحالي والسابق، ولم تكن بالمهمة السهلة، أمام ما حدث بهذه المدينة».
ويرى بزي، انه «رغم الشوط الكبير الذي قطعته البلديات في طريق التنمية، على صعيد الحجر، فإن الحاجة تبدو أكثر إلحاحاً بالنسبة لتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو مشروع كبير يحتاج إلى تضافر جهود كبيرة، لا يمكن للبلديات القيام به منفردة بأي حال».
ويرى القيّمون على العمل البلدي، ان ما تمّ إنجازه حتى اليوم، من تنمية في القرى الحدودية، يعدّ إنجازاً نوعياً، قياساً بالأوضاع التي كانت قائمة فجر التحرير، في أيار سنة 2000، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نتائج عدوان تموز سنة 2006، والامكانيات المالية المتوفرة، إلا أن ذلك لا يلغي الواجب الملقى على عاتق الجهات الرسمية، للقيام بمهامها، وألا نصبح كمن يصفّق بيد واحدة».